الشيخ سعد .. والمختومين من البشر
فجأة وبدون مقدمات طالعنى بوجهٍ بشوش ملئُ بالتقوى والورع, وهو –خير اللهم أجعله خير- يرتدى رداء أبيض فى أبيض وكل من حولة يرتدون الأبيض .. وقد شرع يصدح بنداء ترددت أصدائه فى القناة الفضائية قائلاً "احمد ربنا انك عايش .. غيرك بين الحيا والموت .. احمد ربنا انك عايش .. فى ناس قبل ماتتولد بتموت" .. كان من الطبيعى أن أعتبرها احدى المواويل الشعبية التى انتشرت فى الميكروباصات بأصوات مغنين الأفراح والصنايعية والهشك بشك بعد ان تحول كلاً منهم الى حكيم زمانه .. فها هو أحدهم ينتقد حال الناس وماصارنا عليه من جفاء وسعى وراء الفلوس وأخر يلعن الدنيا بأغرب الألفاظ متهماً اياها بظلمه دائماً وانها "جاييه عليه" وذلك بأجمل الصور الشعبية مثل " الدنيا زبطانا .. شايلانا وحطانا" هكذا وبأختصار شديد عبر -من لا اعرف اسمه- عن حال دنيانا .. الغريب ان كل منهم لا يبدأ فى ارتداء عباءة لقمان إلا بعد ان ياخد بمبة محترمة من الشحرورة اللى بيحبها ويقضى الليل والنهار ينتحب على حال الدنيا المقلوب وعلى حبيبات زمان -اللى ماكنوش بيدوا بالقفا- .. وحرصاً على الحياد فى نقل الواقع الذى نعيشه يومياً فى ميكروباصات البلد –غصب وأقتدار- فالصورة ليست دائماً بهذه القتامة عند مصلحينا الإجتماعيين .. فهناك عدد ليس بقليل منهم لا يكتفى بنقد الأوضاع فقط ولكنهم وبكل شجاعة يوجهون مجهوداتهم وأصواتهم المحشرجة الى تقديم الحلول الايجابية إيماناً منهم بحجم الرسالة التى يحملونها .. فها هو أحد المصلحين من خلفاء ابن خلدون ينادى ويطالب بتوجيه الاهتمام والرعاية إلى الشباب لأهميتهم قائلاً "فوقان فوقان فوقان .. من البانجو ومن البرشام" بكل بلاغة وبأستخدام الصور الضمنية وضح مفكرنا الجهبذ بالتفصيل كيفية النهضة الشاملة ورمز فى مقطع واحد من الأغنية إلى الخطوة الأولى نحو التقدم.
أعود لسعد الصغير فبعد ان سمعت مطلع الكلمات وانتظرت سيل جديد من الإصلاح الإجتماعى خاصة مع الموسيقى الصاخبة فى خلفية الأغنية والتى كانت ومن النوع الذى يخلب لب أى راقصة فى البلد بشكل لا يمكنها معه التحكم فى وسطها .. وهو شئ اصبح من المتعارف عليه كقواعد للفن الشعبى الحديث بعد ان اثبتت التجارب الحديثة أن هز الوسط يساعد فى غربلة الكلمات وشعشة الدماغ واستخلاص الفائدة الإجتماعية المقصودة منها .. الغريب أن مظهر سعد باشا الصغير شدنى لمتابعة الكليب الجديد –وإن كنت قد اتخذت احتياطاتى جيداً فلم اكتفى بخفض الصوت ولكنى أخذت الريموت كنترول من أختى الصغيرة واستعددت لتغيير القناة تحسباً لأى حركة غدر من كابتن سعد فهو مرن جداً ولا يمكنك توقع تحركاته, فبين لحظة وأخرى من الممكن جداً ان يتحول الكليب الى فيلم إباحى (ما هو كله ثقافى برضه!!)-.
ولكن أخاب الشيخ سعد الصغير ظنى وجعلنى أستغفر الله على سوء ظنى به .. فعلى عكس المتوقع لم تظهر معه العشرة فتيات اللاتى نسين استكمال ملابسهن .. بل ولم تظهر فتاة واحده فى الكليب وأصر على ان ينتزع الدهشة منى فظهر يقبل يد امه العاجزة وهو يوصلها فى طريقها لأداء الحج ..وأبى إلا أن يجعلنى أقف مبحلقاً فى الشاشة فاتحاً فمى على البحرى .. فها هو يظهر فى مشهد يتوضأ ويصلى بكل خشوع ويأخذ بيد شاب أعمى ويحضر دروس العلم فى المسجد ويعلٍم طفل قراءة القرآن .. ويزور دور الايتام والمسنين والمرضى ويخفف عنهم بالهدايا واللعب والأكل-أه والله كل ده مره واحده بدون مراعاة مشاعر الصدمه للمشاهدين-.
الشيخ سعد أثر فيا جداً فلم أتصور انه يوجد على الأرض من البشر ملائكة أمثال سعد الصغير, وبالتأكيد بعد الكليب الجامد ده سيتلقى العديد من التبرعات لصرفها على من يستحقوها وستكون حلقة الشيخ سعد لتعليم القرآن للأطفال احد انجازات الشيخ وستنتشر فى حوارى القاهرة كولديرات المياه المثلجة سبيل من عطاءاته التى لا تنتهى .. وان كان هذا سيأثر قليلاً على مستقبله الفنى المبهر وعلى مسئولياته الاجتماعية العظيمة كرئيس لجمعية حماية حقوق الحمير ومندوب اللجنة الشعبية العليا لتقدير الفاكهة .. ولكن كل هذا لن يؤثر على دوره الدينى ورسالته المكلف بها.
انا مؤمن تماماً أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .. بمعنى ان ربنا قادر على أن يهدى اكثر أهل الأرض معصية و صاحب موقع الأغانى اللى ربنا هداه وحوله لموقع دينى مش بعيد عننا, بس اللى بيعمله الأخ سعد وزملائه حاجه مختلفه لأن مافيش واحد ربنا يهديه يطلع يدعى على خلفية موسيقى رقص.. الواضح ان العملية كلها عبارة عن نيو لوك او بالتعبير الشعبى "أركب الموجة" الناس ديه بتشوف ايه اللى ماشى اليومين دول وتجهزله عدته وترسمله الخطة وتطلع تمثلهم علينا .. سعد الصغير وغيره من المغنين اللى طالعين كل يوم بأغنية بيدعوا انها دينية فى الواقع هما بيتاجروا بمشاعر المصريين الدينية ومعروف عننا كمصريين ان اسهل واسرع طرق الدخول لقلوبنا هى بالتدين حتى لو كان بادعاءه لأننا مابنميزش, الظاهرة انتشرت بشكل أصبح بايخ جداً أصبحنا فى نظر الناس ديه مجموعة من المختومين اى حاجه بتخيل علينا.
الخلاصة: احنا أدمنا الضحك على نفسنا .. فى الأول كان بيتضحك علينا من بره وماكناش بنعترض .. بقي بيتضحك علينا فى بلدنا وبرضه ماعرفناش ننطق .. ودلوقتى وصلنا لمرحلة اننا بنضحك على بعض وبقى فى إمكان أى واحد ليه لزمه او مالوش انه يمثل على شعب بحاله .. السؤال هو احنا هانفضل لحد أمتى مختومين فى نظر الناس ديه؟