Random Thoughts>>
To change the Universe, you have to be able to change yourself first.

Sunday, November 21, 2010

فخ التوريث المفاجئ

جاءت وفاة كمال الشاذلي أمين التنظيم –السابق- للحزب الوطني بعد إغلاق باب الترشيحات لتصبح ظاهرة أثارت الكثير من التساؤلات حول إمكانية تكرار الموقف في انتخابات الرئاسة وجاءت الإجابات سريعة لتخرس الأحلام بالمادة ٧٦ من الدستور التي تنص على أن «يحدد القانون القواعد المنظمة لترشيح من يخلو مكانه من أحد المرشحين لأي سبب غير التنازل عن الترشيح في الفترة بين بدء الترشيح وقبل انتهاء الاقتراع»، ويأتي قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية فى مادته رقم «١٨» ليقطع الطريق أمام كل التساؤلات حيث ينص على «إذا خلا مكان أحد المرشحين لأي سبب غير التنازل عن الترشيح خلال الفترة بين بدء الترشيح وقبل إعلان القائمة النهائية للمرشحين تتولى لجنة الانتخابات الرئاسية الإعلان عن خلو هذا المكان فى الجريدة الرسمية، وفى صحيفتين يوميتين واسعتي الانتشار وامتداد مدة الترشح أو فتح بابه بحسب الأحوال لخمسة أيام على الأكثر من تاريخ هذا الإعلان له ويكون لغير باقي المرشحين التقدم للترشح خلال هذه المدة وذلك بذات الإجراءات المقررة».

الشئ اللافت للإنتباه أن الكثير من المحللين قرأوا الحدث للوهلة الأولى على أنه بارقة أمل أو طوق نجاة قد ينتشل الوطن من المصير المحتوم الذي تقوده إليه قاطرات الحزب الوطني بأقصي سرعة وبدون أي معوقات تذكر من قطار التغيير -الذي يبدو كما لو ضل طريقه-، في حين تاهت مركبات المعارضة وتعثرت في أول مطب وطني صناعي، الذي أفلت منه فقط كل من قدم فروض الولاء والطاعة ودفع ضريبة المرور المخزية، وكالمعتاد حاول الإخوان الوقوف أمام القطار فدُهِسوا ولا أظن ان ينجوا منهم أكثر من 6 مقاعد على الأكثر. ولكن بعد ان انتبهنا من نشوة الأمل العابرة تلك وأفاقتنا دقة التشريع وصياغة المادة - المفصلة بالمقاس كمثيلاتها-، وبعد أن ثبت أن الوطني لم يترك أي احتمال ولو ضئيل ان يكون التغيير صدفة بيد ملك الموت وأن تخطيطاتهم للسيطرة تسبق حتى أحلامنا بخطوة أو اثنان .. أصبح الأدعى أن نطرح التساؤلات حول احتمالية أن تكون خطة التوريث المقترحة قد حيكت تحديداً بخيوط ذلك النص من المادة 76 في الدستور والمادة 18 من قانون تنظيم الانتخابات وأن المصير الذي تمنينا أن ينتهي به عهد آل مبارك هو بعينه ماينوي الحزب استخدامه كسلاح سري لتمرير السلطة في الانتخابات الرئاسية القادمة من الاب لأبنه، بحيث يكون السيناريو كالتالي:

يعلن الحزب الوطني عن اختيار مبارك ليكون المرشح عن الحزب في الانتخابات الرئاسية القادمة، تستمر الحملة طوال العام لتأييد الرئيس وحشد الحشود، ويبدأ الإعلان عن البرنامج الانتخابي والذي سيتطابق مع اتجاهات الحزب للتنمية المزعومة مع بعض اللمسات الرئاسية المعتادة، ويستمر المشهد حتي يستتب الوضع وتتلاشي أو تضعف أصوات المعارضين -التي ارتفعت وهددت الاستقرار مع محاولة تمرير جمال مبارك كمرشح محتمل- .. وهو ما حدث فأغلب المعارضين صاروا أقل حدة بعد الإعلان عن ترشيح الرئيس مرة سادسة، ويبقي الحال حتي يتم فتح باب الترشيح ويتقدم مبارك ويعلَن عن غلق باب الترشيح ثم تتسرب الأخبار عن متاعب الرئيس الصحية المفاجئة وعن قدراته على العطاء وحاجته للراحة، واذا به يعلن عن انسحابه من السباق الرئاسي لأسباب صحية مفاجئة. وطبقاً للقانون سيفتح باب الترشيح مرة أخري لمدة خمس أيام يقدم خلالها الحزب أوراق الرجل الوحيد الممكن تقديمه وهو السيد جمال مبارك !! الذي سيكون وقتها في لياقة سياسية عالية استكمالاً لخطوات محدده بدئها من الأن، فهو يعيد فرض وجوده على الساحة إعلامياً ودولياً ويتحرك بحرية كممثل لبرنامج الحزب الانتخابي، خاصة وهو مطمأن كل الإطمئنان تحت الغطاء الذي كفله ترشيح والده ورفع عنه كل ضغوط المعارضين للتوريث فيختصرها فقط إلى خمس أيام -هي مدة إعادة فتح باب الترشيح- بدلاً من سنة كاملة لم يكن ليتحملها الحزب. وطبعاً بعد الوصول لهذه النقطة يمكننا الجزم بأن جمال مبارك سيصبح رئيس الجمهورية بشكل قانوني ودستوري وبناءاً على انتخابات حرة ونزيهة -على الطريقة المصرية- خاصة اذا كان ابرز منافسيه المحتملين هو السيد البدوي؟!.

السيناريو يبدو نموذجي ولم يكن ليخطر على بال أحد لولا وفاة كمال الشاذلي -قد تصبح أفضل خدمة قدمها للوطن-. فالمتابع للمشهد في الفترة السابقة يمكنه ان يستنتج بسهولة وجود أغلبية مؤيدة داخل الحزب للدفع بجمال للانتخابات القادمة وحتى المعارضين له لم يختلفوا على ترشيحه ولكن اختلفوا على التوقيت المناسب لذلك متحججين بأن الرجل لا يملك القبول السياسي أو الشعبي الكافي، وأن ترشيحه سيفتح أبواب الجحيم على الحزب لو تم بشكل مباشر، في حين ان كلا المعسكرين اتفقوا في القلق على حالة الرئيس الصحية والتشكك في قدرته علي الاستمرار لفترة سادسة. وبافتراض وجود السيناريو تصبح فوائده المرتقبة غير محدودة، منها إصابة الشعب والمعارضة والمجتمع الدولي بالشلل المؤقت اعتماداً على عوامل المفاجأة والصدمة وضيق الوقت، كما سيوفر فرصة ذهبية لإحكام السيطرة علي المشهد السياسي حتى موعد الانتخابات وهي فترة حيوية جداً وباستخدام المخطط المزعوم تصبح فترة تكتيك هادئ لا تشوبها اعتصامات او مظاهرات او انتقادات فيتمكنوا من خلالها اعادة الدفع بالرجل الثاني بشكل متزن بعيداً عن أخطاء التسرع السابقة، كما سيوفر الجو الملائم لتمرير مجلس شعب خالي من الشوائب يمكن من خلاله تشكيل القوانين الداعمة بسهولة ويسر، و كذلك سيفيد في اتقاء شر الهجمة الأولي من المعارضين والمجتمع الدولي -التي بدأت حالياً- وتفادي الموجة ثم ركوبها، أو في أسوأ الظروف لو لم ينجح المخطط يبقي الوضع كما هو عليه بترشيح الرئيس حتي يتم تجهيز مخطط بديل.

ومن خلال مجموعة الشواهد القائمة تبقى فرضية مخطط التنحي واقعية جداُ، مثل استمرار الدفع بجمال مبارك كمتحدث رئيسي وأوحد عن برامج الحزب الانتخابية، والتواصل اعلامياً واقليمياً مع العالم، واستخدام المزيد من بالونات الاختبار حول مدى قبوله شعبياً، وكذلك غياب الرئيس مبارك عن المشهد الانتخابي، وقلة تصريحاته نسبياً -مقارنة بالمعتاد منه في هذا الموسم-، والسيطرة على رؤساء الأحزاب الأخرى والمحتمل منافستهم لجمال مبارك وتحجيم شعبيتهم. فقط يبقي أهم ما يهدد ذلك المخطط هو احتمالات تدخل مَلَك الموت مبكراً، وإن كنت أظن اننا كشعب ومعارضة في حالة سطل سياسي تمكن النظام من خداعنا وتشخيص الرئيس حتى في غيابه، وهى عملية ليست بمستحيلة فكما زورت الصحف القومية صور الرئيس في الكثير من المقابلات ولم نكتشفها الا بعد حين، لا أستبعد ان يزوروا الرئيس شخصياً حتي يتم المخطط كما هو مرسوم.

السؤال الأن، هل يمكننا مواجهة و إحباط مخطط مثل هذا -إن وجد-، أم أننا كالمعتاد سنلتزم مقاعد المشاهدين لننخرط في البكاء بعد نهاية العرض، في حين يغلق الستار علي زبانية التوريث وهم يقهقهون على نجاحهم في إعداد أكبر فخ سياسي في التاريخ؟